الزنا فإذا كان الصبر عن نكاح الاماء أفضل فعن الاستمناء بطريق الأولى أفضل لا سيما وكثير من العلماء أو أكثرهم يجزمون بتحريمه مطلقا وهو أحد الأقوال في مذهب أحمد واختاره ابن عقيل في المفردات والمشهور عنه يعني عن أحمد أنه محرم الا اذا خشي العنت والثالث أنه مكروه الا اذا خشي العنت فإذا كان الله قد قال في نكاح الاماء وأن تصبروا خير لكم ففيه أولى وذلك يدل على أن الصبر عن كلاهما ممكن فإذا كان قد أباح ما يمكن الصبر عنه فذلك لتسهيل التكليف كما قال تعالى يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا والاستمناء لا يباح عند أكثر العلماء سلفا وخلفا سواء خشي العنت أو لم يخش ذلك وكلام ابن عباس وما روي عن أحمد فيه انما هو لمن خشي العنت وهو الزنا واللواط خشية شديدة خاف على نفسه من الوقوع في ذلك فأبيح له ذلك لتكسير شدة عنته وشهوته وأما من فعل ذلك تلذذا أو تذكرا أو عادة بأن يتذكر في حال استمناءه صورة كأنه يجامعها فهذا كله محرم لا يقول به أحمد ولا غيره وقد أوجب فيه بعضهم الحد والصبر عن هذا من الواجبات لابد من المستحبات وجوب الصبر عن المحرمات وأما الصبر عن المحرمات فواجب وإن كانت النفس تشتهيها وتهواها قال تعالى وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والاستعفاف هو ترك المنهي عنه كما في الحديث
(1/6)
________________________________________
الصحيح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي لأحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر فالمستغني لا يستشرف بقلبه والمستعف هو الذي لا يسأل الناس بلسانه والمتصبر هو الذي لا يتكلف الصبر فأخبر أنه من يتصبر يصبره الله وهذا كأنه في سياق الصبر على الفاقة بأن يصبر على مرارة الحاجة لا يجزع مما ابتلي به من الفقر وهو الصبر في البأساء والضراء قال تعالى والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس الصبر على البلاء والضراء والمرض وهو الصبر على ما ابتلي به من حاجة ومرض وخوف والصبر على ما ابتلي به باختياره كالجهاد فإن الصبر عليه أفضل من الصبر على المرض الذي يبتلى به بغير اختياره ولذلك اذا ابتلي بالعنت في الجهاد فالصبر على ذلك أفضل من الصبر عليه في بلده لأن هذا الصبر من تمام الجهاد وكذلك لو ابتلي في الجهاد بفاقة أو مرض حصل بسببه كان الصبر عليه أفضل كما قد بسط هذا في مواضع
(1/7)
________________________________________
الصبر على الطاعات وكذلك ما يؤذي الانسان به في فعله للطاعات كالصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب العلم من المصائب فصبره عليها أفضل من صبره على ما ابتلي به بدون ذلك وكذلك اذا دعته نفسه الى محرمات من رئاسة وأخذ مال وفعل فاحشة كان صبره عنه أفضل من صبره على ما هو دون ذلك فإن أعمال البر كلما عظمت كان الصبر عليها أعظم مما دونهما فإن في العلم والامارة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلاة والحج والصوم والزكاة من الفتن النفسية وغيرها ما ليس في غيرها ويعرض في ذلك ميل النفس الى الرئاسة والمال والصور فإذا كانت النفس غير قادرة على ذلك لم تطمع فيه كما تطمع مع القدرة فإنها مع القدرة تطلب تلك الأمور المحرمة بخلاف حالها بدون القدرة فإن الصبر مع القدرة جهاد بل هو من أفضل الجهاد وأكمل من ثلاثة أوجه أحدهما أن الصبر عن المحرمات أفضل من الصبر على المصائب الثاني أن ترك المحرمات مع القدرة عليها وطلب النفس لها أفضل من تركها بدون ذلك الثالث أن طلب النفس لها اذا كان بسبب أمر ديني كمن خرج لصلاة أو طلب علم أو جهاد فابتلي بما يميل اليه من ذلك فإن صبره عن ذلك يتضمن فعل المأمور وترك المحظور بخلاف ما اذا مالت نفسه الى ذلك بدون عمل صالح ولهذا كان يونس بن عبيد يوصي بثلاث
(1/
________________________________________
يقول لا تدخل على سلطان وإن قلت آمره بطاعة الله ولا تدخل على امرأة وإن قلت أعلمها كتاب الله ولا تصنع أذنك الى صاحب بدعة وان قلت أرد عليه فأمره بالاحتراز من أسباب الفتنة فإن الانسان اذا تعرض لذلك فقد يفتتن ولا يسلم فإذا قدر أنه ابتلي بذلك بغير اختياره أو دخل فيه باختياره وابتلي فعليه أن يتقي الله ويصبر ويخلص ويجاهد وصبره على ذلك وسلامته مع قيامه بالواجب من أفضل الأعمال كمن تولى ولاية وعدل فيها أو رد على أصحاب البدع بالسنة المحضة ولم يتفنوه أو علم النساء الدين علىالوجه المشروع من غير فتنة الابتلاء لكن الله اذا ابتلى العبد وقدر عليه أعانه واذا تعرض العبد بنفسه الى البلاء وكله الله الى نفسه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الامارة فإنك ان أعطيتها عن مسألة وكلت اليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وكذلك قال في الطاعون اذا ببلد وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه واذا سمعتم به
بأرض فلا تقدموا عليه فمن فعل ما أمره الله به فعرضت له فتنة من غير اختياره فإن الله يعينه عليها بخلاف من تعرض لها التوبة لكن باب التوبة مفتوح فإن الرجل قد يسأل الامارة فيوكل اليها ثم يندم فيتوب من سؤاله فيتوب الله عليه ويعينه اما على اقامة الواجب واما على الخلاص منها وكذلك سائر الفتن كما قال قل يا عباري الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا وهذه الأمور تحتاج الى بسط لا يتسع له هذا الموضع الهداية والمقصود أن الله سبحانه يريد أن يبين لنا ويهدينا سنن الذين من قبلنا الذين قال فيهم أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وهم الذين أمرنا أن نسأله الهداية لسبيلهم في قوله اهدنا الصراط المستقيم صرط الذين أنعمت عليهم فهو يحب لنا ويأمرنا أن نتبع صراط هؤلاء وهو سبيل من أناب اليه فذكر هنا ثلاثة أمور البيان والهداية والتوبة
(1/9)
________________________________________
المراد بالسنن وقيل المراد بالسنن هنا سنن أهل الحق والباطل أي يريد أن يبين لنا سنن هؤلاء وهؤلاء فيهدي عباده المؤمنين الى الحق ويضل آخرين فإن الهدى والضلال انما يكون بعد البيان كما قال وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم وقال وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون فتكون سنن متعلقا بيبين يعني سنن أهل الباطل لا بيهدي وأهل الحق متعلق بقوله ويهديكم وقال الزجاج السنن الطرق فالمعنى بدلكم على طاعته كما دل الأنبياء وتابعيهم وهذا أولى لأنه قد يقدم فعلين فلا يجعل الأول هو العامل وحده بل العامل اما الثاني وحده واما الاثنان كقوله آتوني أفرغ عليه قطرا أو اذا أريد هذا التقدير يبين لكم سنن الذين من قبلكم ويهديكم سننا فدل على أنه يهدينا سننهم والمراد بذلك سنن أهل الحق بخلاف قوله قد خلت من قبلكم سنن فإنه قال بعدها فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين فإنه أراد تعريف عقوبة
(1/10)